فصل: في رياض آيات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة الغاشية 88:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{مِنْ عين آنية} (5) مثل حميم..
{إِلَّا مِنْ ضريع} (6) الضريع عند العرب الشّبرق شجر..
{لا تسمع فِيها لاغية} (11) لا تسمع فيها لغوا..
{نَمارِقُ مصفوفة} (15) واحدها نمرقة وهى الوسائد..
{وَزَرابِيُّ مبثوثة} (16) الزرابي البسط واحدتها زربية وزربى، والزرابي في لغة أخرى: الشّوىّ ذكيت..
{كَيْفَ نصبت} (19) رفعت..
{كَيْفَ سطحت} (20) بسطت، يقال: جبل مسطّح، إذا كان في أعلاه استواء..
{بمصيطر} (23) بمتسلّط، يقال: تسيطرت علينا، ولم نجد على تقديرها إلّا مبيطر قال النّابغة:
طعن المبيطر إذ يشفى من العضد

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها الغاشية:

.[الغاشية: الآيات 2- 3]

{وُجُوهٌ يومئِذٍ خاشعة (2) عاملة ناصبة (3)}.
وقوله سبحانه: {وُجُوهٌ يومئِذٍ خاشعة عاملة ناصبة} [2، 3] وهذه استعارة.
والمراد بالوجوه هاهنا أرباب الوجوه. ومثل ذلك قوله تعالى: في السورة التي يذكر فيها القيامة: {وُجُوهٌ يومئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} والدليل على ما قلنا إضافته سبحانه النظر إليها، والنّظر إنما يصح من أربابها لا منها. لأنه تعالى قال عقب ذلك: {وَوُجُوهٌ يومئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ}

.[الغاشية: الآيات 8- 11]

{وُجُوهٌ يومئِذٍ ناعمة (8) لِسَعْيِها راضية (9) فِي جَنَّةٍ عالية (10) لا تسمع فِيها لاغية (11)}.
وكذلك قوله تعالى هاهنا: {وُجُوهٌ يومئِذٍ ناعمة لِسَعْيِها راضية} [8، 9] والرّضا والسخط إنما يوصف به أصحاب الوجوه. فانكشف الكلام على الغرض المقصود.
وقوله تعالى: {فِي جَنَّةٍ عالية لا تسمع فِيها لاغية} [10، 11] وهذه استعارة. وقد مضت لها نظائر كثيرة جدا فيما تقدم من كلامنا. أي لا تسمع فيها كلمة ذات لغو. فلما كان صاحب تلك الكلمة يسمّى لاغيا بقولها، سمّيت هي لاغية، على المبالغة في وصف اللغو الذي فيها.
وقال بعضهم: معنى ذلك: لا يسمع فيها نفس حالفة على كذب، ولا ناطقة برفث. لأن الجنة لا لغو فيها ولا رفث، ولا فحش ولا كذب. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الغاشية:
{هل أتاك حديث الغاشية}. من أسماء يوم القيامة لأنها تغطى الأفكار وتدوخ الناس. وقد بدأت السورة بوعيد ووعد، إثارة للرهبة، والرغبة ثم دفعت العقل إلى التفكير في عناصر البيئة العربية عندما لفتته إلى الإبل والجبال والآفاق العريضة، ليخلص من ذلك إلى إفراد الله بالعبادة، وهجر الأصنام الموروثة. وانتهت السورة بتحديد رسالة الأمة الإسلامية بين الناس، وهى التوعية والتذكير. فإذا فقد الأنام إدراكهم للحكمة من وجودهم، نهض المسلمون بهذا العبء فحاربوا الإلحاد والمنكر والغفلة عن الله!! وعونهم في هذه السبيل الكتاب الخالد الذي شرفوا به... ثم اتخذوه مهجورا في هذه السنين العجاف.. والوعيد الذي تصدر السورة وصف الأشرار بما يبعث على الكآبة {وجوه يومئذ خاشعة}. ذابلة يائسة {عاملة ناصبة}. مرهقة شرابها ماء حار، وطعامها لا جدوى منه. أما الأتقياء فلهم مكانة أخرى {وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية} ومن صفات الجنة أن اللغو لا مكان له فيها، لأنه سفه غير لائق بأولى الألباب. الذي يليق بأولى الألباب إعمال العقول وراء المجهول حتى تستبينه! {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت}. والاستفهام بكيف دعوة ممتدة للعقل الإنسانى أن يبحث ويحاول استكشاف الكون بما فيه من نبات وجماد... وقد عاتبت أسلافنا على هجرهم للفلسفة القرآنية الدارسة للمادة، وانشغالهم بالفلسفة اليونآنية الباحثة في التصورات والأوهام. وإن كان من آبائنا من سد هذه الخلة، لكنهم للأسف قلة...
ونقف قليلا عند قوله تعالى: {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر}. المسلمون ليسوا مكلفين بإقامة دولة استعمارية تذل الأعناق وتسرق الخيرات. لقد كلفوا بإقامة دولة كبرى تحرر العقول وتحدو البشر إلى الكمال. وقيام هذه الدولة ليس امتيارا لجنس ولا تفوقا لنسب. إنه لون شريف من الجهاد في سبيل الله! فهل نعى؟ لقد أصيبت الفضائل في مقاتلها، لقدرة السلطات الكفور على حماية الأهواء ونشر المظالم ويجب أن تقوم سلطة مؤمنة بحماية الطهارة وإقرار العدالة والدعوة الدءوب للإيمان والصلاح. وعلى كل حال، فمهما طالت الأعمار أو قصرت، فالمصير إلى الله العدل.
{إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم}. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الغاشية:
أقول: لما أشار سبحانه في سورة الأعلى بقوله: {سَيذكر مَن يخشى ويَتَجنَبُها الأشقى الذي يَصلى النارَ الكبرى} إِلى قوله: {والآخرةُ خيرٌ وأبقى} إلى المؤمن والكافر، والنار والجنة إجمالا، فصل ذلك في هذه السورة فبسط صفة النار والجنة مستندة إلى أهل كل منهما، على نمط ما هنالك، ولذا قال هنا: {عاملة ناصبة} في مقابل: {الأشقى} هناك وقال هنا {تصلى ناراً حامية} إلى: {لا يُسمِنُ ولا يُغني مِن جوع} في مقابلة: {يَصلى النارَ الكبرى} هناك ولما قال هناك في الآخرة: {خيرٌ وأبقى} بسط هنا صفة الجنة أكثر من صفة النار، تحقيقاً لمعنى الخيرية. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 7):

قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حديث الغاشية (1) وُجُوهٌ يومئِذٍ خاشعة (2) عاملة ناصبة (3) تصلى نَارًا حامية (4) تُسْقَى مِنْ عين آنية (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضريع (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جوع (7)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
(بسم الله) الذي له العظمة البالغة والحكمة الباهرة (الرحمنْ) الذي له الفيض الأعلى والنعم الظاهرة (الرحيم) الذي اصطفى أولياء فأصلح بواطن نعمهم حتى عادت ظاهرة طاهرة.
لما ختمت {سبح} بالحث على تطهير النفوس عن وضر الدنيا، ورغب في ذلك بخيرية الآخرة تارة والاقتداء بأولي العزم من الأنبياء أخرى، رهب أول هذه من الإعراض عن ذلك مرة، ومن التزكي بغير منهاج الرسل أخرى، فقال تعالى مذكراً بالآخرة التي حث عليها آخر تلك مقرراً لأشرف خلقه صلى الله عليه وسلم لأن ذلك أعظم في تقدير اتباعه وأقعد في تحريك النفوس إلى تلقي الخبر بالقبول: {هل أتاك} أي جاءك وكان لك وواجهك على وجه الوضوح يا أعظم خلقنا {حديث الغاشية} أي القيامة التي تغشي الناس بدواهيها وشدائدها العظمى وزواجرها ونواهيها، فإن الغشي لا يكون إلا فيما يكره.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم تنزيهه سبحانه عما توهم الظالمون، واستمرت آي السورة على ما يوضح تقدس الخالق جل جلاله عن عظيم مقالهم، أتبع ذلك بذكر الغاشية بعد افتتاح السورة بصورة الاستفهام تعظيماً لأمرها، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {هل أتاك} يا محمد {حديث الغاشية} وهي القيامة، فكأنه سبحانه وتعالى يقول: في ذلك اليوم يشاهدون جزاءهم ويشتد تحسرهم حين لا يغني عنهم، ثم عرف بعظيم امتحانهم في قوله: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} مع ما بعد ذلك وما قبله، ثم عرف بذكر حال من كان في نقيض حالهم إذ ذلك أزيد في الفرح وأدهى، ثم أردف بذكر ما نصب من الدلائل وكيف لم يغن فقال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}- الآيات، أي أفلا يعتبرون بكل ذلك ويستدلون بالصنعة على الصانع ثم أمره بالتذكار- انتهى.
ولما هول أمرها بانبهامها وعمومها، زاد في التهويل بما ذكر من أحوالها في تفصيل الناس إلى شقي وسعيد، وبدأ بالشقي لأن المقام لإنذار المؤثرين للحياة الدنيا، وسوّغ الابتداء بالنكرة التفصيل فقال: {وجوه} أي كثيرة جدًّا كائنة {يومئذ} أي إذ تغشى الناس {خاشعة} أي ذليلة مخبتة من الخجل والفضيحة والخوف والحسرة التي لا تنفع في مثل هذا الوقت {عاملة} أي مجتهدة في الأعمال التي تبتغي بها النجاة حيث لا نجاة بفوات دار العمل فتراها جاهدة فيما كلفتها به الزبانية من جر السلاسل والأغلال وخوض الغمرات من النيران ونحو ذلك كأن يقال له: أدّ الأمانة ثم تمثل له أمانته في قعر جهنم، فتكلف النزول إليها ثم يحملها على عنقه ويصعد في جبال النيران حنى إذا كاد أن يصل إلى أعلاها سقطت منه فيتكلف النزول إليها وهكذا، وهذا بما كان يهمل العمل في الدنيا {ناصبة} أي هي في ذلك في غاية التعب والدؤوب في العمل والاجتهاد- هذه رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذلك لأنهم لم يخشوا الله في الدنيا فلم يعملوا له فلم ينصبوا في طاعته أجسادهم فاضطرهم في ذلك اليوم إلى أعظم مما أبوه في الدنيا مع المضرة دون المنفعة، ويجوز أن يراد بها الذين تعبوا ونصبوا في الدنيا أجسامهم وهم على غير دين الإسلام كالرهبان من النصارى بعد النسخ وزنادقة المتصوفة من الفلاسفة وأتباعهم، بأن يكون {وجوه} مبتدأ و{يومئذ} خبره أي كائنة يومئذ، ثم يقدر ما بعده في جواب سؤال سائل يقول: ما شأنها؟ فأجيب بقوله: {خاشعة}، أي في الدنيا- إلى آخره، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء عنه.
ولما كان العذاب لا يكون إلا على ما يكرهه المعذب، دل على ذلك وعلى أنه على أنهى ما يكون ببناء الفعل للمفعول في قراءة أبي عمرو ويعقوب وأبي بكر عن عاصم فقال: {تصلى} أي يصليها مصل على أيسر وجه وأسهله بأمر من له الأمر بأن يغمسها قهراً على وجه الإحاطة بها، والمعنى على قراءة الجماعة بالبناء للفاعل: تدخل وتباشر بأن يدسها فيها أصحابها فيحيط بها من كل جانب وهو يدل على غاية الذل لأن من فعل بنفسه هذا لا يكون إلا كذلك {ناراً حامية} متناهية في الحر لأنها عملت بالجهل على خلاف ما حده لها نبيها فأخلت بركن للعمل أو شرط لما استولى عليها من الغفلة التي أحاطت بها، فلم تدع لها موضعاً يصلح لدخول الرحمة منه.
ولما كان من في الحر أحوج شيء إلى ما يبرد باطنه، قال بانياً عند الكل للمفعول جريا علي قراءة أبي عمرو في الذي قبله: {تسقى} أي يسقى كل من أذن له الملك في ذلك على أهون وجه وأيسره {من عين آنية} أي بلغت غايتها في الحر فنضجت غاية النضج فصارت إذا قربوها منهم سقط لحم وجوههم، وإذا شربوا قطعت أمعاءهم مما شربوا في الدنيا من كاسات الهوى التي قطعوا باستلذاذهم لها قلوب الأولياء.
ولما ذكر ما يسقونه على وجه علم منه أنه لا يلذذ ولا يروي من عطش، أتبعه ما يطعمونه فقال حاصراً له: {ليس لهم} أي هؤلاء الذين أذابوا أنفسهم في عبادة لم يأذن الله فيها {طعام} أصلاً {إلا من ضريع} أي يبيس الشبرق، وهو شوك ترعاه الإبل ما دام رطباً، فإذا يبس تحامته، وهو سم، وقال في القاموس: والضريع كأمير: الشبرق أو يبيسه أو نبات رطبه يسمى شبرقاً، ويابسه يسمى ضريعاً، لا تقربه دابة لخبثه، أو شيء في جهنم أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأحرّ من النار، ونبات منتن يرمى به البحر، وقال الهروي في الغريبين وعبد الحق في الواعي: الضريع: الشبرق، وهو نبات معروف بالحجاز ذو شوك، ويقال شبرق ما دام رطباً، فإذا جف فهو ضريع، وقال القزاز في ديوانه: الضريع: يبيس من يبيس الشجر، وقيل: هو يبيس الشبرق خاصة، وقيل: هو نبات أخضر يرمى به البحر وهو منتن.
أبو حنيفة رحمه الله تعالى: وهو مرعى لا تعقد عليه السائمة شحماً ولا لحماً وإن لم تفارقه إلى غيره ساءت حالها.
وقال ابن الأثير في النهاية: الضريع هو نبت بالحجاز له شوك كبار، وقال: الشبرق نبات حجازي يؤكل وله شوك، وإذا يبس سمي الضريع.
وهذا ثوب مشبرق وهو الذي أفسد، وفي نسجه سخافة، وشبرقت الثوب أيضًا: حرقته، وقال في القاموس: الشبرق كزبرج: رطب الضريع واحده بهاء، قال البغوي رحمه الله تعالى: قال مجاهد وقتادة وعكرمة: هو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض، تسميه قريش الشبرق، فإذا هاج سموه الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه، وهو رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ولا يمتنع في قدرة الله سبحانه وتعالى أن يكون الغسلين إذا انفصل عن أبدان أهل النار صار على هيئة الشبرق المسمى ضريعاً، فيكون طعامهم الغسلين الذي هو الضريع، ويمكن أن يكون ذلك كناية عن أقبح العيش ولا يراد به شيء بعينه- والله تعالى أعلم، قال الملوي: وسمي ضريعاً لأن الإنسان يتضرع عند أكله من خشونته ومرارته ونتنه.
ولما حصر أكلهم في هذا، وكان الضريع المعروف عند العرب قد يتصور متصور أنه لو أكره شيء على أكله أسمنه أو سد جوعته، وكان الضريع المأكول لهم في القيامة شوكاً من نار كما ورد تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفى عند فائدة الطعام، فقال واصفاً الضريع أو الطعام المقدر بعد (إلا) بما يفهمه تحامي الإبل التي ترعى كل نابت وهي أعظم الحيوانات إقبالاً على أنواع الشوك له من أنه ضر بلا نفع {لا يسمن} أي فلا يشبع ولا يقوي لأنه يلزم ما يسمن، فعدمه يلازم عدمه.
ولما نفى عنه ما هو مقصود أهل الرفاهية وبدأ به لأن المقام له نفي ما يقصد للكفاف فقال تعالى: {ولا يغني} أي يكفي كفاية مبتدئة {من جوع} فلا يحفظ الصحة ولا يمنع الهزال، والمقصود من الطعام أحد الأمرين، وذلك لأنهم كانوا يأكلون الحرام الذي تنبت عليه لحومهم فيفسدها بفساده وتنمو به نفوسهم فيخبثها بخبثه ويتغذون بالشبه أيضًا ويباشرونها في جميع أوقاتهم ويباشرون العلوم التي تظلم القلوب كالفلسفة والشعر والسحر ونحو ذلك مما يجر إلى البدع.
والآية من الاحتباك: نفي السمن أولاً يدل على إثبات الهزال ثانياً، ونفي الإغناء من الجزع ثانياً يدل على نفي الشبع أولاً، ومن جعل ذلك صفة الطعام أفسد المعنى لأنه يؤول إلى: ليس لهم طعام منفي عنه الإسمان والإغناء، بل لهم طعام لا ينفي عنه ذلك. اهـ.